التعبير الكتابي: تعليم قبل التقييم

يشكّل تصحيح التعبير الكتابي وقتًا غير لطيف للعديد من المعلّمات والمعلّمين. وتسود الحيرةُ في تحديد العلامة التي يستحقّها عمل الطالب، خصوصًا في الأرقام المتقاربة: 11 أو 13 على عشرين/ 60 أو 70 على 100. وربّما تظهر الأحبولة أوضح حين نعطي التعبير الكتابي ذاته لأستاذين مختلفين، ونراقب تفاوت التقييم بينهما!

ربّما ينطبق هذا الأمر على أكثر من ناحية في تقييم تمكّن المتعلّم من مهارات اكتساب اللغة، خصوصًا التقييم الذي ما زال يعتمد على علامات صمّاء لا تخبر المتعلّم وأهله شيئًا أكثر من النجاح أو الرسوب ودرجاتهما. وإذا كان العديد من المدارس انتقلت الآن إلى التقييم المعتمد على تحقّق المهارات عند المتعلّم قد تجاوز بشكل كبير هذه الأزمة، فإنّ واقع الامتحانات الرسمية يعيدها إلى مربّع العلامات ذاته للأسف.

التقييم المعتمد على جدول تحقّق الأهداف

يشكّل التقييم المعتمد على جدول تحقّق أهداف التعبير الكتابي (انظر محكّات التقييم، معايير التصحيح…) الحلَّ الأمثل لجعل النتيجة النهائيّة لعلامة الطالب ذات معنى وقابلة للقراءة. ففي هذا النوع من التقييم لا يعني حصول متعلّمَين على العلامة ذاتها أنّ أداءهما واحد، وأن نقاط ضعفهما هي ذاتها، بل تصير العلامة كنتيجة تقييم، وسيلةً للتعليم وإعادة التعليم.

شبكة التقييم هي انعكاس لما تمّ العمل عليه خلال الوحدة اللغوية، لذا هي متحرّكة ومرنة؛ فهي تتولّد من اعتبارات عديدة: ما الفنّ الأدبي الذي تمّت دراسته؟ ما المهارات النحوية التي عولجت؟ ما المفردات التي اكتشفت؟ ما العناصر البلاغيّة التي تمّ تدريب المتعلّمين عليها…؟ كما ترتبط الشبكة بالصفّ والعمر، أيّ بمراحل تملّك المتعلّم للّغة ومهاراتها. من هنا، يمكن تعديل ثقل كلّ عنصر من عناصر الشبكة بالمستوى العمريّ للمتعلّم، وبمستوى تعرّضه للّغة المستهدفة (خصوصًا في حالات تعليم اللغة لغير الناطقين بها). كما تمكن زيادة ثقل العلامات على المهارات اللغوية في تقييم تعبير كتابي لطلّاب الصفوف الابتدائيّة، أو مراحل المبتدئين عند غير الناطقين، لأنّ الجهد المبذول في الصفّ يركّز على ذلك، والعكس صحيح كلّما ارتقى مستوى تملّك المتعلّم لمهارات اللغة، وبات الخوض في اكتشاف الأنواع الأدبيّة هو الهدف الأكبر.

وفي مراحل متقدّمة تُبنى شبكات التقييم على أساس النوع الأدبي المرتبط بعناصر السرد أو بنية المقالة ونوعها، أو مؤشّرات الرسالة والسيرة الذاتيّة بنوعيها. ولا يخفى أن تقييم الأداء اللغوي في هذه المرحلة يبقى قائمًا، على مستوى النحو والإملاء والعناصر البلاغيّة، لكنّ الثقل الأكبر يبقى على النوع الأدبيّ المدروس، وتحقّقه في نصّ المتعلّم.

شبكة التقييم: انعكاس واجبٌ لعمليّة التعليم

إنّ اعتماد شبكة تقييم للتعبير الكتابي يجب أن تشكّل معيارًا لعمليّة التعليم. فالتعليم المعتمد على التصميم (Understanding by Design (Wiggins- McTighe, 1999 يفترض بدء التخطيط بوضع التقييم للوحدة، ومن ثمّة تخطيط عمليّة التعليم يما يوصل المتعلّم لتجاوز هذا التقييم بنجاح. من هنا، تصير شبكة تقييم التعبير الكتابي مفتاحَ عمليّة تعليم التعبير الكتابي. فلو وضعنا شبكة تقييم لكتابة مقالة للصفّ السادس مثلًا، وحدّدنا فيها أنّ المتعلّم سيكتب مقدّمة، وجسمًا للمقالة من فقرتين على الأقلّ، وخاتمة استنتاجيّة أو فاتحة للموضوع على مجال أكبر، فإنّ هذا يوجب أن يمرّ التدريب على كلّ هذه العناصر خلال الوحدة. بشكل آخر، يجب أن يتضمّن تخطيط الوحدة تدريب المتعلّمين على كتابة مقدّمات لمقالات مختلفة، وأن يفهم المتعلّم بنية المقدّمة وما يجب أن تتضمّنه من حيث هي توطئة للموضوع من غير غوص في تفاصيله. وينطبق الأمر بالطبع على التدريب على كتابة الفقر المرتبطة بفكرة رئيسة، حتّى لا تتداخل معلومات المتعلّم المختلفة في فقرة واحدة فتضعف الفقرة وتصير المعالجة عامّة من غير تفصيل، وكذا الأمر بالنسبة إلى الخاتمة. هذا الأمر يتمّ تفكيكيًّا، عبر النصوص التي تُقرأ خلال الوحدة وتفكيكها إلى عناصرها، وتجميعيًّا عبر تدريب المتعلّمين على التخطيط لنصّ المقالة.

وهنا يصير اختيار المهارات اللغويّة المناسبة لهذا النوع من الكتابة ضروريًّا؛ فللمقالة علينا التدريب على الروابط التعليليّة والاستنتاجيّة (ويمكن إدماج أدوات النصب مثلًا)، والجمل الاسميّة، أو الفعليّة المضارعة، وعلامات الوقف الخاصّة بالتنصيص، وروابط الفقر…

الأمر الواضح أنّ التخطيط للوحدة يجب أن يتضمّن تخطيطًا متينًا ومترابطًا لمهارة الكتابة، لا الاكتفاء بقدرة المتعلّم وحده على الربط الذهني بين ما قرأه في الوحدة وما يجب أن يكتبه، فهذه ليست مسؤوليّته بل مسؤوليّة مخطِّط الوحدة. والوسائل التي يلجأ إليها الكثير من المعلّمين من تحفيظ نصوص أو مفردات، والاكتفاء بالإرشادات اللفظيّة المعتمدة على نباهة نوع واحد من المتعلّمين، وغير ذلك ممّا مرّ علينا سابقًا كمتعلّمين، كلّ ذلك لا يجدي، بل إنّه يشكّل نقيصة في تعليمنا: لا يجوز أن يُقيّم أداء المتعلّم في أمر لم ندرّبه عليه!

شبكات التقييم تعطينا الفرصة لمراقبة أداء المتعلّم الفرد، والمتعلّمين أجمعين في صفّ واحد. فعلى المستوى الفردي، تكشف هذه الشبكات النقاط التي لم يتمكّن منها متعلّم بذاته بما يتيح لنا تقديم تدريبات له تساعده على تجاوز هذه الصعوبة. وعلى مستوى الصفّ، تسمح لنا شبكات التقييم بمعرفة أين كانت عمليّة التعليم قاصرة عن الوصول إلى معظم المتعلّمين، بما يسمح لنا بتخطيط عمليّة إعادة تعليم مركّزة على المهارات غير المحقّقة.

وهنا طبعًا، لا ننسى الخطوات التي تساعد المتعلّمين في إنجاز المطلوب منهم، من العصف الفكري حول الموضوع، إلى تنظيم تخطيط النصّ المطلوب، إلى “المؤتمر مع رفيق” الذي يمكن أن يساعدهما معًا، إلى استنباط المفردات التي تساعد على كتابة النصّ وإثباتها على اللوح، وغير ذلك الكثير.

خلاصة القول: أيّ تقييم لتعبير كتابي من غير تدريب حقيقيّ هو تحميل غيرِ مسؤول للمتعلّم أكثر من طاقته!

يسري الأمير